مدينة قسنطينة

مدينة قسنطينة




   تلك هي قسنطينة اللؤلؤة الخالدة التي تدخل الألفية الثالثة للميلاد في ثوب واسم " المدينة الكبيرة" كل شيء يشجعها على ذلك، ففضلاً عن غناها التاريخي الذي أهّلها لأن تصنف كتراث وطني سنة 1992، فإن خاصيتها الجغرافية كمدينة متفردة في العالم تجعلها ماضية في حلمها ودونما عقدة.


الموقع والتضاريس

   تقع مدينة قسنطينة فلكياً على خط 36.23 شمالاً، وخط 7.35 شرقاً، وتتوسط إقليم شرق الجزائر، حيث تبعد بمسافة 245 كلم عن الحدود الشرقية الجزائرية التونسية، وحوالي 431 كلم عن الجزائر العاصمة غرباً و235 كلم عن بسكرة جنوبا و89 كلم عن سكيكدة وتتربع قسنطينة فوق الصخرة العتيقة على جانبي وادي الرمال، تحق بها العوائق والانحدارات الشديدة من كل الجهات، وإذا تتبعنا مظاهر سطح المدينة نلاحظ أن المنطقة التي تقوم عليها غير متجانسة من حيث ارتفاعها عن سطح البحر، فهي تنحصر بين خطي كنتور 400م و800م في الشمال و800م و1200م في الجنوب.

المساجد

طغت على قسنطينة صبغتها الثقافية والدينية منذ القدم، وتكرس هذا المظهر بعد استقرار الإسلام بها، فعرفت عملية بناء المساجد بها سيرورة دائمة، وسنسرد أسماء أهم هذه المساجد كما يلي:

1 – الجامع الكبير: بني في عهد الدولة الزيرية سنة 503هـ، 1136م، وقد أقيم على أنقاض المعبد الروماني الكائن بنهج العربي بن مهيدي حاليا، تغيرت هندسته الخارجية من جراء الترميم، ويتميز بالكتابات العربية المنقوشة على جدرانه.

2 – جامع سوق الغزل: أمر ببنائه الباي حسن وكان ذلك عام 1143هـ-1730م) حولته القيادة العسكرية الفرنسية إلى كاتدرائية وظل كذلك إلى أن عاد إلى أصله بعد .

3 – جامع سيدي الأخضر: أمر ببنائه الباي حسن بن حسين الملقب أبو حنك في عام (1157-1743م) كما يدل عليه النقش الكتابي المثبت على لوح من الرخام فوق باب المدخل، وتوجد بجانب المسجد مقبرة تضم عدة قبور من بينها قبر الباي حسن.

4 – جامع سيدي الكتاني: يوجد بساحة "سوق العصر" حاليا، أمر صالح باي بن مصطف ببنائه في عام (1190هـ-1776) وإلى جانبه توجد مقبرة عائلة صالح باي.

5 – مسجد الأمير عبد القادر: يعتبر من أكبر المساجد في شمال إفريقيا، يتميز بعلو مئذنتيه اللتين يبلغ ارتفاع كل واحدة 107م وارتفاع قبته 64 م، يبهرك منظره بهندسته المعمارية الرائعة ويعدّ إحدى التحف التي أبدعتها يد الإنسان في العصر الحاضر، وإن إنجازه بهذا التصميم على النمط المشرقي الأندلسي، كان ثمرة تعاون بين بعض المهندسين والتقنيين من مصريين ومغاربة، إضافة إلى المساهمة الكبيرة للمهندسين والفنيين والعمال الجزائريين، ويتسمع المسجد لنحو 15 ألف مصل، ونشير إلى أن المهندس المصري "مصطفى موسى" الذي يعدّ من كبار المهندسين العرب هو الذي قام بتصاميم المسجد والجامعة.

   كما تزخر المدينة بعدد آخر من المساجد من بينها: جامع سيدي فعان – جامع سيدي محمد بن ميمون- جامع سيدي بوعنابة- جامعة السيدة حفصة- جامع سيدي راشد- جامع سيدي عبد المؤمن- جامع سيدي بومعزة- جامعة سيدي قموش- جامعة الأربعين شريفاً، الخ...

أبواب قسنطينة

   كانت المدينة محصنة بسور تتخله سبعة أبواب، وبعضهم يقول ستة، تغلق جميعها في المساء وهي:

 - باب الحنانشة: الذي يسمح بالخروج من شمال المدينة عبر وادي الرمال، ويؤدي إلى الينابيع التي تصب في أحواض مسبح سيدي مسيد. باب الرواح: يمتد عبر سليم مثير للدوار، ويؤدي إلى الناحية الشمالية من وادي الرمال ويوصل هذا الباب إلى منابع سيدي ميمون التي تصب في المغسل. - باب القنطرة: يصل المدينة بالضفة الجنوبية لوادي الرمال. باب الجابية: ينفتح على الطريق الممتد إلى سيدي راشد ويقع على ارتفاع 510م.

 - باب الجديد: يقع شمال ساحة أول نوفمبر، هدم سنة 1925. باب الواد " أو باب ميلة": يسمح بالوصول إلى روابي كدية عاتي، وقد كان يوجد بمكان قصر العدالة حاليا. لقد كانت هذه الأبواب تقوم بوظيفة التحصين للمدينة ضد الغرباء وبدأت تختفي بالتدريج إلى أن أزال الاحتلال الفرنسي أثارها كلية. نصب الأموات يعود بناؤه إلى سنة 1934 وقد شيد تخليدا لموتى فرنسا الذين سقطوا في الحرب العالمية الأولى ومن سطحه يستطيع الزائر أن يمتع ناظريه ببانوراما عجيبة لمدينة قسنطينة، أقيم عليه تمثال النصر الذي يبدو كطائر خرافي يتأهب للتحليق. ومن خصوصيات هذا النصب أنه يقع تماماً في منتصف المسافة بين الجزائر العاصمة وتونس، ويوجد قبالته تمثال" مريم العذراء" والمسمى "سيدة السلام".


مدينة الجسور



   نظراً لتضاريس المدينة الوعرة وأخدود وادي الرمال العميق الذي يشقها، أقيمت عليها سبعة جسور لتسهيل حركة التنقل، واشتهرت بعد ذلك قسنطينة باسم مدينة الجسور المعلقة، وهي: جسر باب القنطرة: وهو أقدم الجسور بناه الأتراك عام 1792 وهدمه الفرنسيون ليبنوا على أنقاضه الجسر القائم حاليا وذلك سنة 1863. جسر سيدي راشد: ويحمله 27 قوسا، يبلغ قطر أكبرها 70م، ويقدر علوه بـ105م، طوله 447م وعرضه 12م، بدأت حركة المرور به سنة 1912، جسر سيدي مسيد: بناه الفرنسيون عام 1912 ويسمى أيضا بالجسر المعلق، يقدر ارتفاعه بـ175م وطوله 168، وهو أعلى جسور المدينة. جسر صلا ح سليمان: هو ممر حديدي خصص للراجلين فقط ويبلغ طوله 125م وعرضه مترين ونصف، وهو يربط بين شارع محطة السكك الحديدية ووسط المدينة. جسر مجازن الغنم: هو امتداد لشارع رحماني عاشور، ونظرا لضيقه فهو أحادي الأتجاه. جسر الشيطان: جسر صغير يربط بين ضفتي وادي الرمال ويقع في أسف الأخدود. جسر الشلالات: يوجد على الطريق المؤدي إلى المسبح وتعلو الجسر مياه وادي الرمال التي تمر تحته مكونة شلالات، وبني عام 1928.

البساتين والحدائق

   يطلق الشعراء على قسنطينة اسم مدينة "الهوى والهواء" وهذا نظرا للطافة جوها، ورقة طباع اهلها، وانتشار البساتين والأشجار في كل أرجائها وبذلك تتوفر المدينة على عدة حدائق عمومية تعمل على تلطيف الجو داخلها، ولعل أهم هذه الحدائق والتي ما زالت تحافظ على رونقها وجمالها، حديقة بن ناصر أو كما يطلق عليها "جنان الأغنياء" وتتوسط شارع باب الواد، وبحي سيدي مبروك توجد حديقتان إحداهما تقع بالمنطقة العليا والأخرى تقع بالمنطقة السفلى، كما توجد حديقة بحي المنظر الجميل تحمل اسم "فرفي عبد الحميد" وتجدر الإشارة إلى أن قصر "أحمد باي" يتوفر على حديقة رائعة الجمال، تذكر بعض الروايات أن الباي نفسه كان يشرف عليها، ومن بين حدائق قسنطينة التي كتب عنها بعض المؤرخين والرحالة" حديقة، قسوم محمد: (التي تدعي سكورا قامبيطة) الكائنة خلف شارع بلوزداد، التي ما فتئت تستقطب الكثير من الناس لجمالها وكثافة أشجارها ويوجد بها تمثال للنحات "لوست" L Hoest ، وتحت جسر باب القنطرة توجد حديجة رائعة الجمال، ونظرا لموقعها في المنحدر، فهي تفتن الأنظار من بعيد.


الرحبات والأسواق

   تعتبر الرحبة ذلك المكان الواسع الذي يستعمل لأغراض تجارية، حيث تباع فيها مختلف السلع والبضائع كالملابس، الأقمشة وغيرها. عرفت قسنطينة قديما عدة رحبات منها ما يزال قائما حتى اليوم ومنها ما تحول إلى مباني وطرقات ك"رحبة الزرع" التي كانت تتوسط المدينة وتقام فيها عدة نشاطات تجارية كبيع الحبوب، التمور والزيوت، ومن الرحبات المعروفة في قسنطينة قديما نذكر "رحبة الشبرليين"، "سوق الخرازين"، س"سوق العطارين"، "سوق الصاغة"، و"سوق الصباغين" وغيرها... وحاليا لا تزال بعض الرحبات موجودة مثل " "رحبة الصوف" التي تحولت اليوم إلى سوق لبيع الخضر والفواكه والأواني وبعض الأغراض المنزلية، أما "رحبة الجمال" التي يذكر المؤرخون أنها كانت مبركا للقوافل التي تأتي من مختلف الانحاء محملة بالبضائع، فقد أصبحت اليوم سوقاً لبيع الملابس ومكاناً مفضلاً للمطاعم الشعبية الشهية بوجباتها، وهناك"سوق العصر" الذي كان قبلا يسمى "سوق الجمعة" ويشتهر بتنوع خضره وفواكهه وباللحوم والأقمشة وعادة ما تكون أسعار هذا السوق معتدلة مقارنة مع بقية الأسواق. ومن أهم أسواق المدينة أيضا في الوقت الحالي نذكر: سوق بومزو: يعد من أهم الأسواق ويعود تاريخ بنائه إلى عهد الوجود الفرنسي، يقع بمحاذاة ساحة أول نوفمبر ويعرف يوميا حركة نشيطة. سوق بن بطو: ويعتبر من اقدم الأسواق، ونظرا لموقعه المتميز بشارع بلوزداد وجودة السلع والبضائع التي يعرضها فهو يستقطب الكثير من ربات البيوت.

الحمامات

   لا تزال حمامات مدينة قسنطينة التي يعود تاريخ بنائها إلى العهد العثماني محافظة على شكلها وهندستها ووظيفتها، ويبلغ عددها حوالي 20 حماماً ما زال سكان المدينة يقصدونها ويفضلونها على الحمامات العصرية، ولعل أول حمام بناه الأتراك كان حمام "ثلاثة" الكائن بحي الشط، ويطلق عليه أيضا اسم حمام "لهوا" كونه بني فوق المنحدر أما سبب تسميته بحمام "ثلاثا" فلأنه كان الوحيد الذي حدد سعره بثلاثة "صوردي" بينما حدد في الحمامات الأخرى بخمسة من بين حمامات قسنطينة المعروفة أيضا نذكر: - حمام دفوج: ويعد بدروه من أقدم الحمامات، وقرب غرفة الاستراحة به يوجد ضريح سيد دقوج. - حمام بولبزايم، يوجد بشارع الأربعين شريفا. - حمام بن حاج مصطفى وحمام بن شريف، يوجدان بالشط. - حمام أولاد سيدي الشيخ (يقع بالبطحاء).